تُظهر الأحداث الأخيرة أن إسرائيل لم تعد تكتفي بالتحركات العسكرية على حدودها، بل باتت تمارس عربدة استراتيجية في عمق الشرق الأوسط، في وقت يبدو فيه العالم عاجزًا عن فرض أي مساءلة حقيقية.
سوريا: استهداف مرحلة ما بعد النظام
في سبتمبر 2025، شنّت إسرائيل غارات على حمص واللاذقية، بعيدًا عن مناطق الحدود التقليدية. وعلى خلاف الذرائع القديمة المتعلقة بوجود إيران أو حزب الله، تشير تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان ووكالات دولية مثل رويترز وBBC إلى أن الأهداف كانت مرتبطة بالبنية العسكرية للحكومة السورية الجديدة. الهدف المعلن من وجهة نظر محللين هو إضعاف الدولة السورية الناشئة ومنعها من استعادة قوتها عبر التنمية الاقتصادية والمجتمعية وإعادة الإعمار، مع استثمار الانقسامات الداخلية ودعم مكونات طائفية وانفصالية لإبقاء البلاد في حالة هشاشة.
قطر: ضرب الأعراف الدبلوماسية
لم تسلم الدوحة من العربدة الإسرائيلية، إذ استُهدف اجتماع رسمي لقيادات من حركة حماس كانت تناقش وقف إطلاق النار. هذه الخطوة تشكل سابقة خطيرة تمثل انتهاكًا لسيادة دولة وسيطة، وتضرب الأعراف الدبلوماسية عرض الحائط.
غزة: التجويع كسلاح
في غزة، يستمر الحصار منذ أشهر وسط مجازر متكررة، بينما يُستخدم التجويع كسلاح حرب. تقارير الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش تشير إلى أن ما يحدث هو عقاب جماعي يرقى إلى جريمة حرب. إن حرمان المدنيين من الغذاء والدواء والوقود يدخل ضمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
النظام الدولي: العجز البنيوي
رغم خطورة المشهد، يظل النظام الدولي عاجزًا. فالأمم المتحدة تصدر القرارات بشكل متكرر، لكنّها تُشلّ بفعل الفيتو الأمريكي، فيما تبقى المواقف الأوروبية والدولية رمزية وخجولة، تقتصر على تصريحات أو خطوات محدودة مثل العقوبات الإسبانية، دون أن ترتقي إلى قرارات تنفيذية حاسمة يمكنها ردع إسرائيل أو محاسبتها على تجاوزاتها.
الخلاصة
العربدة الإسرائيلية اليوم ليست مجرد سلسلة هجمات، بل استراتيجية ممنهجة لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة عبر القوة. ومع بقاء العالم في حالة عجز، فإن الكلفة الإنسانية والسياسية لهذه السياسة ستبقى مرهونة بشعوب المنطقة التي تدفع الثمن وحدها.









