أول خطاب رئاسي سوري أمام الجمعية العامة منذ أكثر من نصف قرن يحمل رمزية ثقيلة: عودة صوت دمشق إلى المنبر الدولي بعد عزلة طويلة. التغطيات الإخبارية من وكالات عالمية (AP/PBS/الأناضول) ثبّتت الواقعة والتاريخية، فيما قرأت مجلات ومراكز بحث قيمة الحدث باعتباره خطوة نحو ترسيخ الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، مع التحذير من “هشاشة الداخل” وضرورة انتهاج سياسات إدماجية.
الدلالة البروتوكولية والسياسية.
عودة رأس الدولة السورية إلى نيويورك بعد غياب منذ 1967 ليست بروتوكولًا فحسب؛ إنها إشارة سياسية بأن بوابة الأمم المتحدة تُفتح مجددًا أمام دمشق. لكن هذه الرمزية تُختبر عمليًا بقدرة الحكومة على تثبيت الأمن الداخلي، وإطلاق مسار إعادة الإعمار والتنمية المجتمعية، وصياغة تعاقد سياسي يُطمئن القوى الاجتماعية المتباينة.
المفارقة: من الملاحَقة إلى الحوار.
الظهور العلني للشرع في حوار مع مدير الـCIA الأسبق ديفيد بتريوس يختصر تحوّلًا في قواعد المقاربة: من لغة المطاردة إلى لغة المصالح. هذه الصورة — الموثقة في منصات إعلامية — تمنح الزيارة ثقلًا رمزيًا يتجاوز الخطاب الرسمي.
تفاوض تحت النار.
بالتوازي، تتحدث تقارير عن اقتراب ترتيبات خفض تصعيد سورية–إسرائيلية، بينما تتواصل عمليات عسكرية وتهديدات متبادلة. يعكس ذلك تضارب مسارين: دبلوماسية تبحث مخارج مؤقتة، وواقع ميداني لا يزال هشًا ومحكومًا بانعدام الثقة. أي اتفاق إطار — إن تم — سيحتاج ضمانات تنفيذية وإشرافًا دوليًا كي لا يتحول إلى هدنة هشة.
قراءتنا المؤسسية: معنى اللحظة لسوريا الجديدة.
من منظورنا، تمثّل الزيارة نافذة اختبار: هل تستطيع دمشق ترجمة هذا الاعتراف الرمزي إلى مسار سياسات عامة يُطلق التنمية، ويُعيد بناء المؤسسات، ويحد من هشاشة الاقتصاد والمجتمع؟ الشرعية الدولية ليست منصة خطاب فقط، بل التزامًا بمعايير الحكم الرشيد وبتخفيف أسباب الصراع.
الشرع في نيويورك مشهد مفصلي بين رمزية العودة واختبار الفاعلية. العالم يراقب، والملف السوري يدخل طورًا جديدًا تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى مع مطالب الداخل. النجاح لن يُقاس بالتصفيق في القاعة، بل بقدرة الحكومة على تسوية الداخل وتحويل اللحظة الدبلوماسية إلى مسارٍ قابلٍ للحياة.









